التعليم الثانويالثانية ثانويالسنة الثانية ثانوي آداب

تلخيص محور الشعر الجاهلي – السنة الثانية ثانوي

تلخيص محور الشعر الجاهلي

تلخيص محور الشعر الجاهلي السنة الثانية ثانوي. تلخيص محور الشعر الجاهلي ومعرفة تفاصيله مع ذكر أمثلة وتأليف

تلخيص محور الشعر الجاهلي
تلخيص محور الشعر الجاهلي

تمهيد:


الشعر الجاهلي هو الشعر المنسوب إلى الجاهليين من فرسان الكلمة وفحول العبارة وأبطال الثقافة في ذلك الزمان قبل مجيء الإسلام بثقافة لم تغير تغييرا جذريا ما ساد قبلها بقدر ما هذبت البعض من القيم وصقلت البعض الآخر
وحرفت الكثير من أساطير أهل الجاهلية وأكسبتها معنى مغايرا ذهب بروائها وخصوبتها .
ومهما يكن من أمر، فإن الجاهلية لفظ يحيل إلى الجهل نسبة والمقصود بالجهل ليس نقيض العلم أو المعرفة كما قد يتبادر إلى الأذهان الصغيرة ضيقة الأفق، وإنما هو الغضب والاحتدام الوجداني الذي يعرف تحت عنوان أكبر
سيتبلور مع كر العصور ومرور الأزمان وهو الحماسة أي الشدة والصلابة والقوة والممانعة وكل أشكال المقاومة.
وقد يعترض على شرحنا البعض ممن استهوتهم الثقافة الإسلامية الجديدة وتعصب لها أيما تعصب، فيرى فيها قطعا جذريا وكليا مع الفكر الجاهلي ومنظومته القيمية.

غير أننا نرد عليه بقول الجاهليين من فرسان الكلمة أنفسهم، وفي مقدمتهم عمرو بن كلثوم المنشد في معلقته بكل حماسة :
ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
وكذلك قول عنترة العبسي في بعض القصائد المنسوبة إليه:
وإذا بليت بظالم كن ظالماً وإذا لقيت ذوي الجهالة فاجهل
ملاحظة: يمكن مراجعة ما جاء في كتاب الدكتور محمد عثمان علي” في آداب ما قبل
الإسلام” المكتبة العلمية العالمية، ط 4، ليبيا 1994 ص ص 11-13.


1) موضوعات الشعر الجاهلي:


يتضمن الشعر الجاهلي موضوعات كثيرة ومتنوعة تعكس صورة الحياة عند الجاهليين وفلسفتهم فيها مثلما تصور بعض القيم الذي كانت تحكم وجودهم وتضبط إيقاعه. ومن هذه الموضوعات نذكر :
أ) الطلل:
تتأسس معاني الطلل بما هو ركيزة أساسية من ركائز الاستهلال أو الابتداء على مخاطبة الخليلين ودعوتهما إلى الوقوف على الديار لعلها تجيب سائلها ،
وفي ذلك رغبة من الشاعر في استدعاء الماضي واستحضار بعض من ذكراه.

ولعل أبرز معانيها على الإطلاق نعت الطلل بالخراب والتهدم والزوال والفناء وهو ما يورث في النفس البشرية الشعور بالوحشة الموجعة والوحدة المفزعة. ومن الشواهد على ذلك قول طرفة بن العبد:
لخولة أطـلال بـبـرقة تُهـمد
تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد

وقوفاً بها صحبي علي مطيهم *** يقولون: لا تهـلك أسـى وتـجـلد
ومن معانيها أيضا تصوير الشاعر أحواله مثل ذكر ما ينشأ في النفس من حالات الشوق والحنين الجارف إلى ذكرى الوصال وما يورثه ذلك من حزن ولوعة وهطول للدمع الغزير. وفي هذا المضمار يقول إمرؤ القيس :
وإن شـفـائـي عبـرة مـهـراقة*** فهل عند رسـم دارس مـن معول؟
ومن معانيها مخاطبة الربع الدراس (أي الديار “المتهدمة) وهو خطاب وهمي يعكس التوتر الوجداني. ومن أمثلة ذلك قول عنترة :
یا دار عبلة بالجواء تكلمي وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي
ومنها تأمل المنزلة البشرية وبيان هشاشتها أمام رياح الزمان وغدرة الدهر.
وفي ذلك يقول النابغة الذبياني :.
أمست خلاء، وأمسى أهلها احتملوا*** أخنى عليها الذي أخنى على لبد
وقد وظف الشاعر لذلك أسلوبين إنشائيين طلبتين هما النداء والأمر. غير أن الطلل لا يجيب، فتفور عين الشاعر ولا تنقطع عن البكاء، فيتساءل مستغربا موظفا الاستفهام البلاغي. ثم سرعان ما يتحول الشاعر إلى مخاطبة الحبيبة
في وهمه باعتماد النداء والترديد له أكثر من مرة لعله يفوز بالقرب من الحبيب. ومن الأمثلة على ذلك قول النابغة:
***
يا دار مية بالعلياء فالسند أقوت وطال عليها سالف الأبد
أو قول امرئ القيس في معلقته:.
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللواء بين الدخول فحومل
وللطلل أثر بالغ في نفس الشاعر، فهو يذكره بالماضي السعيد بل قد تفوح
منه العطر وشذاه من جديد رغم القفر والخلاء وفي هذا المعنى يقول عنترة:
دار يفوخ المسك من عرصاتها والعود واللد الذكي جناها
كل ذلك يكسب الطلل قيمة رمزية عليا. فهو يختزل جدلية الحياة والموت والحركة والسكون والخصوبة والعقم والحاضر والماضي والواقعي والمتخيل.
المرأة:
تحتل المرأة من الشعر الجاهلي مرتبة متميزة، فصورتها تنزع إلى الكمال في ذهن الشاعر، فهي كيان تحفت به رمزية ساحرة آسرة. إنها رمز الجمال والكمال والخصوبة تختزل الوجود بكل عناصره فتغدو كيانا أسطوريا مفعما
بظلال المعاني.

في شعر الجاهليين، تبدو المرأة حسناء مليحة معتدلة القامة مائلة إلى الطول بدينة. ومع ذلك، فهي ضامرة البطن مصقولة الأطراف كأنها السبيكة
الذهبية يقول إمرؤ القيس:
مهفهفة بيضاء غير مفاضة
ترائبها مصقولة كالسجنجل

وقد أحب منها الشعراء الشعر الأسود الحالك كالليل، على أن يكون طويلاً
وفي ذلك يقول إمرؤ القيس:
غدائرها مستشزرات إلى الغلا تضل العقاص في مثنى ومرسل
أو قوله:
وفرع يزين المتن أسود فاحم
أثيث كقنو النخلة المتعثكل

وأحبوا فيها لون بشرتها الذي يخالط بياضه شيء من الصفرة، فيخرج لونا
كلون القمر أو الدرّ يسمى “أزهر” . وقد مدح إمرؤ القيس هذا اللون في معلقته
بقوله :
كبكر المقاناة البياض بصفرة غذاها أمير الماء غير المحلل
أما العيون في الشعر الجاهلي، فقد كانت توصف بالسعة والنجل، وتستعار من بقر الوحش. وقد عبر الشعراء الجاهليون عن مفعولها السحري، ومن بينهم عنترة العبسي في قوله:
رمت الفؤاد مليحة عذراء
بسهام لحظ ما لهنّ دواء

هكذا بلغ الشعراء الجاهليون بالمرأة المعاصرة لهم مراتب الكمال والرمزية، فارتسمت في مخيلتهم تلك الصورة المثالية فترددت عبر العصور.
الراحلة :
للراحلة قيمة كبرى في الشعر الجاهلي. فهي لا تمثل وسيلة الشاعر لبلوغ الممدوح فحسب وإنما هي وسيلته لبلوغ ديار الحبيبة أيضا. والراحلة تكتسب في كل ذلك رمزية شفافة شأنها شأن الطلل. فالناقة، عند طرفة بن العبد، رمز للقوة
والحركة. غير أنها ليس مجرد حركة مادية، وإنما حركة وجدانية يتناغم فيها الشوق مع التوغل في المكان سيرا أوعدوا. ولعل ما يجعل الناقة قبلة الشاعر أنها تحمل على ظهرها هودجا تستتر فيه المعشوقة، فيمتزج الوصف للناقة بما يتهيج
في العين من رغبة في رؤية المعشوقة ومتابعتها. لذلك، تكون الناقة رمزا للقوة والصلابة ولا يلحقها التعب إلا عندما يستفرغ الشاعر ما في وجدانه من المشاعر الفياضة والعواطف الجياشة. ومن الأبيات التي تصف الناقة وصفا بديعا قول طرفة بن العبد في معلقته:
وإني لأمضي الهم عند اختضاره بعوجاء مزقال تلوح وتغتـدي
والحقيقة أن الرمزية لا تقف عند حدود الناقة، وإنما تشمل سائر الحيوان كالذئب والحمار الوحشي والغزال..

الحرب :
الحرب موضوع قائم بذاته في الشعر الجاهلي، وحروب العرب في الجاهلية أيامهم، وقد خلّدوها في قصائدهم مثل حرب داحس والغبراء وحرب البسوس.
وقد تغنى الشعراء، من خلال الحرب كواقعة يتبارى فيها الفرسان الشداد، بالبطولة والإقدام وحسن البلاء والصمود في زحمة الموت. ومن أشهر الشعراء في هذا الباب عنترة العبسي الذي لا تكاد تخلو قصيدة من قصائد ديوانه من سرد للواقعة بذكر أفعاله البطولية ووصف للعدو وصفا فيه إعلاء من شأنه في الطور الأول إبان الهجوم وتحقير من شأنه في الطور الثاني وهو طور الاشتباك والتلاحم حيث تكون هزيمته نكراء. يقول عنترة في ذلك مفتخرا بما صنعت يداه من المجد والنصر والغلبة:
ومأجج كرة الكماة نزاله لا منعن هرباً ولا مستسلم
جـادث له كفي بعاجل طعنة بمثقف صدق الكعوب مقوم
فشككت بالرمح الأصم ثيابه ليس الكريم على القنا بمحرم
فتركته جزر السباع ينشئه يقضمن حسن بنانه والمعصم

والحرب مفخرة الجاهليين يتباهى بها كل قوم من الأقوام الأشداد مثل فخر عمرو بن كلثوم التغلبي بمعارك قومه وانتصاراتهم فيها ضمن معلقته الشهيرة بنبرة حماسية ونغمة ملحمية هي أشبه بأناشيد الإلياذة والأوديسة عند اليونان. ومن ذلك قوله:
متى تنقل إلى قوم رحانا يكونوا في اللقاء لها طحينا
غير أن للحرب، عند بعض شعراء الجاهلية، وجها آخر غير البطولة المشرقة. وهو وجه قاتم إذ لا تورث غير الموت للفريقين المتقاتلين مهما بلغت منهما القوة إنها كالرحى تدور وترحي ولا تبالي بأحد. وفي هذه المعاني يقول
زهير بن بي سلمى في معلقته بنزعة تأملية وحس مأسوي: تلخيص محور الشعر الجاهلي
وما الحرب إلا ما علمتم ودقتم وما هو عنها بالحديث المرجم
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة وتضـر إذا ضريتموها، فتضرم
فتعـركم غرك الرحى بتفالها وتلقح كشافا، ثم تحمل، فثتيم
فتنتج لكم غلمان أشـأم كلهم كأحمـر عاد،
كأحمـر عاد، ثم تُرضع، فتفطم

ومهما يكن من أمر، فإن الحرب قدر وحياة عند الجاهليين لا مناص منها ولا مهرب، بها يردون العدوان وبها يغنمون الغنائم، وهي اختبار للفرسان الأسياد على التضحية بالنفس صونا للعرض والشرف مثلما يكون السلم اختبارا للتضحية
بالمال الوفير تجسيدا للكرم والجود. وفي ذلك رسم لصورة الرجل الكامل وهو الفتى عندهم أو الفتوة تاج القيم جميعها.

2) أغراض الشعر الجاهلي:


أ) غرض المدح :
المدح غرض من أغراض الشعر العربي القديم شأنه شأن الفخر والرثاء والهجاء والغزل. وهو الغرض الرئيسي أو لنقل رأس الأغراض جميعها يقوم على الإشادة بفضائل شخص مرموق المنزلة يسمى الممدوح. ويتم في صلب هذا
الغرض التنويه بشمائل هذا الممدوح والارتقاء به إلى أعلى المنازل وأرقى المراتب بواسطة ما توفره اللغة من فنون المبالغة من جهة وما توفره السنن الشعرية والتقاليد الأدبية من تشابيه واستعارات وكنايات من جهة أخرى مع
ما ينحته الشاعر نفسه إذا كان مجددا من صور متخيلة جوهرها المغالاة من جهة أخرى. ومن نماذج المدح في الشعر الجاهلي مدح الأعشى ملوك الغساسنة ومدح زهير بن أبي سلمى المزني هرم بن سنان (أحد أسياد بني ذبيان) ومدح النابغة الذبياني النعمان بن المنذر ملك الحيرة.
• بنية قصيدة المدح أو المدحية :
ينبني المدح عادة على تصوير الوقفة الطللية ووصف الرحلة والراحلة ثم التحول إلى الغرض وهو إبراز خصال الممدوح. وهذا هو البناء الكلاسيكي لقصيدة المدح وتسمى المدحية .
يخاطب الشاعر الأطلال أي أثر الديار (ما تبقى منها ويعرف بـ”الرسم الدارس” أو “الرسوم الدارسة”) مثل قول النابغة الذبياني في مدح ملك الحيرة النعمان بن المنذر في داليتها الشهيرة (أي رويها الدال ) من البسيط التام :
يا دار مية بالعلياء فالسند*** أقوت وطال عليها سالف الأبد
ومن صفات الطلل الخلاء والقفر مما يوحي بأثر الزمان فيه، فهو علامة على الموت. غير أن ما يضفي عليه عنصر الحياة هو ذاكرة الشاعر ووجدانه. فالشاعر يقف على الديار المتهدمة يسترجع الذكريات ويخاطب الطلل كأنه الكائن
الحي فعلا، ويسأله سؤال العاشق الولهان الوفي لذكرى الحب وأيام الغرام الخوالي. غير أن الطلل لا يجيب، فهو علامة على أثر الزمان في المكان والإنسان معا. هذه الوقفة الطللية تجسم لحظة مزدوجة يمتزج فيها الجانب
الوجداني (العاطفي) وهو الحنين بالجانب التأملي (الذهني) وهو الوعي بالزمن وأثره المأسوي الفاجع .
وما أن يفرغ الشاعر من الوقوف على الأطلال حتى يتحول إلى وصف الرحلة والراحلة. إن الماضي قد ولى وفات ولا أمل في استرجاعه أو عودته.
لذلك، لا بد أن يؤمم الشاعر وجهته قبلة شيء آخر أو صوب قيمة أخرى: إنه الممدوح نفسه الذي سيعوضه هذه الخسارة الفادحة وهذه الغائلة الزمنية. فإذا بالشاعر يمتطي له أمتن النياق خلقا وأحكمها بنيانا وأخفها هيكلاً وأسرعها عدوا
حتى يعجل الوصول إلى ضالته، فلابد أن همه زائل وكريته الموجعة متبددة.

هكذا، تؤدي الرحلة وظيفة أساسية هي التخلص من الوقفة الطللية إلى الغرض مقصد القصيد وهو المديح .
يقوم المديح على المراوحة بين الخطاب المباشر باستخدام ضمير الخطاب للمفرد (أنت) أو الجمع (أنتم) وبين الخطاب غير المباشر باعتماد ضمير الغائب للمفرد (هو) أو الجمع (هم ): الأول يسمى مدحا مباشرا والثاني المدح غير
المباشر. وفي الأول تعبير عن الولاء من خلال المواجهة. أما الثاني، ففيه التفات إلى الجمهور للإخبار عن الممدوح باعتباره شخصا اشتهر بينهم بجملة من الخصال المحمودة والخلال الإيجابية. وفي الحالين، يسعى الشاعر إلى ترسيخ هذه الصورة الفاضلة للممدوح بين جمهور السامعين ويستخدم من الأساليب صيغ التفضيل والصفات المشبهة وصيغ المبالغة ونفي المشابهة والتشابيه والاستعارات والكنايات.. إلخ. وما هدف الشاعر من كل ذلك سوى تلميع صورة الممدوح ونشر القيم بين الناس وهو ما يعرف عند القدامي بعطف القلوب على القيم .
إذن، للقصيدة المدحية طقوسها وفنونها وأجواؤها وأساليبها. وما الشاعر المداح سوى صوت الجماعة لأنه يحتفل بالقيم التي رسخت عبر الأجيال والأزمان في الأذهان، وأبرزها العطاء والجود (الكرم).
بغرض الفخر:
وهو على ضربين: فخر ذاتي يقف عند حدود الشاعر المتكلم بالقصيدة، وأبرز مثال على ذلك عنترة العبسي وفخر جماعي ومن نماذج ذلك عمرو بن كلثوم عند فخره ببطولات قومه.
ج) غرض الرثاء :
وهو تفجع على الميت وتأبينه. ومنه الرثاء الأسري أي رثاء الأقارب والخنساء مثال على ذلك حيث ترثي أخاها صخرا.
د) غرض الهجاء :
وهو الذم والتقبيح للخصوم من الأعداء بتحقيرهم واستنقاص قدرهم بإبراز ضعفهم وتهالكهم يوم القتال والشدة. وهو يرد في صلب المديح إغناء له وتلميعا لصورة الممدوح من خلال فن المقابلة التي تعرف قديما بـ”المنافرة” ( وهي أن
تمدح سيدا وتهجو آخر).
هـ)غرض الغزل:

وهو داخل في باب النسيب الذي يقوم على “التشوق والتذكر لمعاهد الأحبة بالرياح الهابة والبروق اللامعة والحمائم الهاتفة والخيالات الطائفة وآثار الديارة العافية وأشخاص الأطلال الدائرة” على حد تعبير قدامة بن جعفر في ” نقد الشعر”. ومن الشواهد على ذلك قول عنترة العبسي وهيج الطائر ذكرى الحبيبة في نفسه:
يا طائر البان، قد هيجت أحزاني وزدتني طربا، يا طائر البان

ويذهب ابن رشيق في كتابه العمدة (ج2/ ص732 ) إلى عدم تمييز النسيب من الغزل والتشبيب: ” النسيب والتغزل والتشبيب كلها بمعنى واحد؛ وأما الغزل فهو إلف النساء، والميل إليهن، والتخلق بموافقتهن. وليس مما ذكرته في شيء
فمن جعله بمعنى التغزل فقد أخطأ”. وإذا طلبنا الدقة قلنا إن التشبيب هو وصف محاسن المرأة. وأما النسيب، فهو تعبير عن العواطف نحو المرأة. وأما الغزل، فهو اسم جامع لما قيل في المرأة . تلخيص محور الشعر الجاهلي
و) الحكمة :
هي داخلة في باب التأمل في الحياة والموت وقيم الوجود الإنساني. وأشهر من أرسل الحكمة في معلقته زهير بن أبي سلمى المزني. فقد اعتبر الموت كالناقة العشواء لا تميز بين الصغير و الكبير ولا بين الغني والفقير ولا الرجل من
المرأة. وفي هذا المعنى ينشد قوله:
رأيت المنايا خبط عشواء من تُصب ثمته ومن تخطئ يعمر فيهرم بينما ذهب طرفة بن العبد إلى اعتبار الحياة كنزا ناقصا كل ليلة وأن الإنسان موصول بالموت وصل الدابة بالحبل فلا فكاك منه ولا مهرب مهما ارتخي أو تأخر. فهو يعتام الجميع بلا استثناء . يقول طرفة بن العبد في معلقته:
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي عقيلة مال الفـاحش المتشدد
أرى الدهر كنزا ناقصاً كل ليـلة وما تنقـص الأيام والذهـر ينفد

لعمرك! إنّ الموت ما أخطأ الفتى لكالطـول المرخي ويـنـيـاة باليد
إذا شـاء يوماً، قـاده بزمـامه ومن يـك فـي حبل المنية ينـقـد

ومهما يكن من أمر، فإن الحكم الواردة في شعر الجاهليين تقوم دليلا آخر، فضلا على ما قدمنا في مستهل القول، على أن معنى الجهل لا يعني نقيض العلم والمعرفة. فقد خبر الجاهليون أفردا وجماعة حقيقة الزمان والمكان ومنزلة
الإنسان الهشة في الوجود.


3) المنظومة القيمية في الشعر الجاهلي:

تلخيص محور الشعر الجاهلي
تعكس القصيدة الجاهلية منظومة من القيم تختزل الموقف من الإنسان ومن المجتمع ومن الكون بأسره ضمن جدلية الحياة والموت. ومن عناصر هذه المنظومة :
أ) الفتوة:
الفتوة اسم جامع لخصال شتى أهمها السخاء والكرم في السلم والبطولة والفروسية في الحرب. وقد تغنى شعراء الجاهلية بهذه القيمة سواء أكان ذلك في مدح الأسياد و الملوك أو في الفخر بالنفس أو المفاخرة القبلية
وتتطلب الفروسية جملة من الخلال أو الصفات أهمها الشدة عند القتال والبلاء الحسن في حومات الوغى. يقول عنترة في هذ المعنى

لما رأيت القوم أقبل جمعهم
يدعون عنتر والرماح كأنها
يتدامرون كررت غیر مذمم
أشطـان بئر في لبان الأذهم

يقول طرفة بن العبد تعبيرا عن معنى النصرة للجماعة :
إذا القوم قالوا من فتى خلت أثنـي* غنيث فلم أكسل ولم أتبلد
يقول عمرو بن كلثوم في باب الدفاع عن الحرمات والشرف :
تطاعن ما تراخي النّاس عنا *** ونضرب بالسيوف إذا غشينا
بسمـر مـن قـنـا الخطي لذن *** دوابل أو بـبيـض يـخـتلينا

ويذكر عمرو بن كلثوم في معلقته معنى القتال سبيلا إلى المجد:
ورثنا المجد قد علمت معد*** تطاعن دوئه حتّى يبيئا
ب) الجود والكرم:
يقول حاتم الطائي وهو المعروف بالكرم بل هو مضرب الأمثال في هذا الباب:
إذا ما البخيل الخب هرت كلابه *** وشق على الضيف الغريب عفورها
فـإنـي جـبـان الـكلب بيتي مـوطـاً***جواد إذا ما الـنـفـس شـخ ضميرها

ج) العفة :

يقول عنترة مخبرا عن صورة الفارس المترفع العفيف رغم بطشه وقوته:
يخبرك من شهد الوقيعة أننـي أغشى الوغى وأعف عند المغنم
يقول حاتم الطائي في معنى رعاية حرمة الجار عند غيبته
وما تشتكيني جارتي غير أنّني إذا غاب عنها بعلها لا أزورها
سيبلغها خيري ويرجع بعلها *** إليه ولم يقصر علي ستورها

د) عزة النفس:
أكثر شعراء الجاهلية احتفالا بهذا المعنى عنترة بن شداد، ويعود ذلك إلى
شعوره الدفين بالدونية لأنه من العبيد وفي ذلك يرد قوله:
لا تسقني ماء الحياة بذلة*** بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
ماء الحياة بذلة كجهنم وجهنّم بـالـعـز أطـيـب مـنزل

وفي نفس السياق يقول الأعشى مفضلا الغزة على العار الذي يمكن أن يلحقه إذا رضي بالمذلة والهوان :
وقال: لا أشتري عاراً بمكرمة – *** فاختار مكرمة الدنيا على العار
هـ) الوفاء:
السموأل هو مضرب الأمثال في قيمة الوفاء وفي هذه القيمة يقول الأعشى:
والصبر منه قديما شيمة” خلق*** وزنده في الوفاء الثاقب الواري

و) التسلى بالخمرة عن شبح الموت :
يقول طرفة بن العبد مفسّرا فلسفته في الحياة ومن أركانها شرب الخمر
دفعا لغائلة الموت التي تتهدد الأحياء جميعا:

ألا أيهذا اللائمي أحضر الوغى*** وأن أشهد اللذات، هل انت مخلدي؟
فإن كنت لا تسطيع دفع منيتي *** فدعني أبادزهـا بـمـا ملكت يدي
ولولا ثلاث هن من لذة الفتى وجدك لـم أحفل متى قام غؤدي
فمنهن سبقي العاذلات بشـربـة *** کمیت متى ما ثغل بالماء تزيد

وتمثل الخمرة في الشعر الجاهلي ظلعا من أبيان أضلاع مثلث الفحولة عند الجاهليين لرسم صورة الفتى أو السيد الشريف . وهذا الثالوث هو الحرب والحبّ والخمرة، والمقدم في هذا السلم الهرمي من القيم هو الحرب عنوان القوة
والصلابة والشدة وهو ما يعرف بالحماسة. فإذا كان الرجل فارسا مغوارا شديدا على عدوه كان جديرا بالخمرة وأطايبها وبالمرأة وقطائفها. ولذلك ترى عنترة مثلا يتغنى ببطولاته مخاطبا عبلة حبيبة نفسه ملوحا إلى شربه الخمرة بماله
وعرضه وافر محفوظ من الخدش والخزي والعار. يقول عنترة :
ولقد شربت من المدامة بعدما
بزجاجة صفراء ذات أسرة
فإذا شربت فإننـي مستهلك
ركد الهواجر بالمشوف المعلم
فرنـت بأزهر في الشمال مقدم
مالي وعرضي وافر لم يكلم


الخلاصة:

تلخيص محور الشعر الجاهلي
***
الشعر الجاهلي ديوان العرب لأنه يخلد مأثرهم وفضائلهم وبطولاتهم، ففيه ترتسم منظومة القيم المثالية التي إذا ما اقترب منها الفرد بلغ مرتبة الكمال وصار مضرب الأمثال وسار ذكره بين الناس على مرّ الأيام والأزمان
رغم تنوع القيم الجاهلية، فهي تندرج ضمن منظور شامل للإنسان خلالا وفضائل وخصالا وشمائل من جانب ولمنزلته في الكون ضمن جدلية الفناء وخلود الذكر من جانب آخر.
الشعر الجاهلي هو ينبوع الإبداع في الشعر العربي القديم وفيض القيم التي ستتحول تدريجيا عبر العصور اللاحقة دون أن تفقد بريقها كليًا.
لذلك يمكن أن نتساءل عن معنى التجديد في الشعر العربي القديم إذا لم يكن بناء على منوال سابق وهو الشعر الجاهلي نفسه ؟

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم مانع الإعلانات على متصفحك. الرجاء غلقه لتواصل التنقل داخل الموقع.