الثالثة ثانوي

التيارات الفكرية و السياسية بأوروبا الغربية في القرن 19

التحولات الاجتماعية الناجمة عن تركيز النظام الرأسمالي وانتشار التعليم في إحداث تحولات سياسية وفكرية

المقدمة :

التيارات الفكرية و السياسية بأوروبا الغربية في القرن 19 ساهمت التحولات الاجتماعية الناجمة عن تركيز النظام الرأسمالي وانتشار التعليم في إحداث تحولات سياسية وفكرية عميقة في أوروبا تجسدت في تعدد التيارات السياسية والفكرية : التيار الليبرالي والقومي والاشتراكي.

I – التيار الليبرالي :

يسمى كذلك التيار التحرري لأنه يعتبر أن الفرد باعتباره القيمة العليا في المجتمع يجب أن يتمتع بحريته التامة وبحقوقه المطلقة. وقد استند في مبادئه إلى فكر التنوير وإلى المبادئ الجديدة التي رسختها الثورة الفرنسية.

1- الليبرالية السياسية :

نادت الليبرالية السياسية بتحقيق المبادئ التالية :
– إقامة نظام تمثيلي يقوم على مجالس منتخبة
– إقرار الحريات الفردية الأساسية : حرية التعبير والمعتقد وحرية العمل .
– تساوي الأفراد أمام القانون
– اعتبار الدولة أداة لحماية تلك الحريات وتطبيق القانون من خلال مؤسساتها.

2- الليبرالية الاقتصادية :

من روادها الانجليزي آدم سميث في أواخر القرن الثامن عشر ثم طورها في القرن التاسع عشر الانقليزيان ريكاردو ومالتوس وهي تقوم على مبدأ «دعه يعمل، دعه يمر» المتمثل عمليا في :
– رفض تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية وحصر مهامها في حدود ضيقة مثل حفظ الأمن والدفاع عن البلاد وإنجاز الأشغال العامة وكل ما من شأنه الحفاظ على حقوق الفرد.
– رفع كل القيود أمام المبادرة الفردية.
إجمالا تؤكد الليبرالية السياسية والاقتصادية على مبدأ حرية الفرد لذلك اعتبرت فكر الطبقة البورجوازية في كل دول أوروبا خلال القرن 19 واعتمدته في نضالها ضد أنظمة الحكم المطلق.

أدم سميث أب الراسمالية

II – التيار القومي : 

تتمثل الفكرة القومية في الوعي بالانتماء إلى أمة واحدة من حقها تقرير مصيرها إن كانت مولى عليها (مثل بولونيا التي كانت خاضعة للحكم القيصري الروسي والشعوب التي كانت خاضعة لحكم النمسا) وتحقيق وحدتها إن كانت مجزأة (مثل الأمتين الألمانية والإيطالية). وقد اعتبرت هذه الوحدة شرطا للنهضة الاقتصادية والسياسية لأنها تؤدي إلى توحيد السوق وإزالة كل الحواجز بين الأقاليم بما فيها الحواجز الاقتصادية. وقد نشأ هذا الفكر مع الثورة الفرنسية التي أعلنت سيادة الأمة وتغذى من أعمال بعض المثقفين الذين أكدوا على وحدة التاريخ والثقافة وتنامى بفضل دور بعض الزعماء السياسيين خصوصا في إيطاليا وألمانيا.

ففي إيطاليا تزعم كافور الحركة القومية التي نجحت سنة 1870 في توحيد الأمة الإيطالية اما المانيا فقد قاد بيسمارك عملية التوحيد التي استكملت بعد هزم فرنسا سنة 1870.
وعموما فإن التيار القومي يعبر هو بدوره عن تطلعات البورجوازية إلى توحيد السوق وإزالة كل الحواجز أمام حركة بضائعها ورؤوس أموالها.

III – التيارات الاشتراكية والنقابية :

يعتبر ظهورها كأحد أبرز تأثيرات التحولات الاجتماعية للقرن التاسع عشر وخصوصا تنامي وزن الطبقة العاملة وتدهور وضعها.

1- التيارات الاشتراكية

أ- الاشتراكية المثالية “الطوباوية” : 

من روادها الفرنسيين شارل فوريبه وسان سيمون والانجليزي روبرت أوين الذين نقدوا المجتمع القائم ونددوا بانعدام المساواة في النظام الرأسمالي لكنهم اكتفوا بدعوة الحكومات والأثرياء إلى العناية بالكادحين وتحقيق العدالة الاجتماعية دون أن يحددوا وسائل تحقيق هذه العدالة ودون أن يقترحوا حلولا قابلة للتحقيق لذلك وصفت اشتراكيتهم بالاشتراكية المثالية.

ب- الاشتراكية العلمية : الماركسية :

وضع أسسها المفكران الألمانيان كارل ماركس وفريدريك أنجلس ومن أهم مبادئها :
– إن المجتمعات في حركة تقدم مستمر وهذا التقدم ناتج عن صراع الطبقات.
– إن النظام الرأسمالي يسير حتما نحو التأزم بحكم التناقضات الداخلية التي تشقه.
– حتمية قيام دكتاتورية البروليتاريا (سلطة العمال) التي ستحرر العمال من استغلال البورجوازية وتؤمم وسائل
الإنتاج والتوزيع. 

كارل ماكس

ج- الاشتراكية الفوضوية : 

روادها الفرنسي برودون والروسي باكونين وهي تتفق مع الماركسية في رفضها للنظام الرأسمالي لكنها ترفض أي
سلطة حتى وان كانت “سلطة العمال“.

2- الحركات الاشتراكية : تكوين أحزاب سياسية ومنظمات دولية إشتراكية

تأسست في أوروبا عدة أحزاب تتبنى هذه النظرية عرفت باسم الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية. كما تميزت هذه المذاهب بنزعتها الأممية فقد دعت العمال في كافة أنحاء العالم إلى الوحدة وعلى هذا الأساس تكونت سنة 1864 الأممية العمالية الأولى وفي 1889 الأممية العمالية الثانية.

3- الحركة النقابية 

تعد النقابة جمعية مهنية هدفها الدفاع المصالح المادية والمعنوية لمنخرطيها. وقد تولى العمال نقاباتهم
بأنفسهم.
وقد وجدت النقابات العمالية صعوبة كبيرة للاعتراف بها من طرف الحكومات. كما تأثرت بالصرعات
المذهبية بين الاشتراكيين فانقسمت إلى تيارين :
– تيار نقابي إصلاحي يدعو إلى تحسين أوضاع العمال عن طريق التفاوض مع أرباب العمل والحكومات
وباعتماد الطرق السلمية.

– تيار ثوري يعتبر أن على النقابات المساهمة في الإطاحة بالنظام الرأسمالي لأنه لا يمكن تحسين وضع العمال إلا
بإزالة ذلك النظام وقيام الاشتراكية.
وقد خاضت الحركة النقابية في أوروبا الغربية نضالات عديدة من أجل تحسين ظروف العمال وأوضاع شغلهم،
أجبرت الحكومات في أواخر القرن التاسع عشر على العناية بأوضاع العمال الاقتصادية والاجتماعية فقلصت من
ساعات العمل اليومية ومنحت حق التمتع براحة أسبوعية وبالضمانات الاجتماعية وقننت تشغيل الأطفال والنساء
وغيرها من القوانين الاجتماعية.

الخاتمة

هكذا شهدت أوروبا الغربية تحولات سياسية وفكرية كبرى كان لها تأثيرها على طبيعة الأنظمة السياسية التي
قامت في أوروبا بعد ذلك.
ولا شك أن مختلف التيارات التي ظهرت آنذاك قد ارتبطت بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي نجمت عن
الثورة الصناعية. 

زر الذهاب إلى الأعلى
MENU

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم مانع الإعلانات على متصفحك. الرجاء غلقه لتواصل التنقل داخل الموقع.