الثالثة ثانوي

التحولات الإقتصادية و الإجتماعية بأوروبا الغربية في القرن 19

الثورة الصناعية تحولات اقتصادية جذرية بأوروبا الغربية في القرن 19

المقدمة :

التحولات الإقتصادية و الإجتماعية بأوروبا الغربية في القرن 19,احدثت الثورة الصناعية تحولات اقتصادية جذرية تمثلت في اختفاء الاقتصاد الزراعي المعروف بقلة الانتاج ليحل محله نمط انتاج جديد هو الرأسمالية الصناعية الذي حققت بفضله بلدان أوروبا الغربية نهضتها الاقتصادية الشاملة وأفضى إلى تحولات عميقة في تركيبة المجتمع.

I – التحولات الاقتصادية بأوروبا الغربية في القرن XIX : 

1- من الرأسمالية التجارية إلى الرأسمالية الصناعية :

أدى ازدهار التجارة البحرية في أعقاب الرحلات الكبرى والاكتشافات الجغرافية وتكوين الامبراطوريات الاستعمارية الأولى إلى تكديس ثروات طائلة بيد كبار التجار ومجهزي السفن الأوروبيين. منذ نهاية القرن الثامن عشر وخلال القرن التاسع عشر، عهد الثورة الصناعية الأولى، تم استقطاب جل هذه الثروات لتستثمر في المجال الصناعي فتحولت الرأسمالية التجارية أو المركنتيلية إلى رأسمالية صناعية التي تقوم على الحرية الاقتصادية المطلقة تطبيقا لمقولة آدم سميث “دعه يعمل ودعه يمر” دون تدخل الدولة في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية.

أ-أهم مبادئ الرأسمالية الصناعية :

-الملكية الخاصة : حق الرأسماليين في ملكية وسائل الانتاج.
-الربح : يمثل المحرك الأساسي للانتاج الذي يهدف بالأساس إلى تنمية ثروات الرأسماليين.
-العرض والطلب : يتم ضبط الأسعار والأجور وفق قانون السوق.
-المنافسة الحرة : تعني حرية المنافسة بين المؤسسات الصناعية المتشابهة وهي بمثابة حرب اقتصادية غير متكافئة
تنتهي عادة باضمحلال المؤسسات الصغرى أو اندماجها في المؤسسات الكبرى .

ب- التنظيم الرأسمالي الصناعي :

– المصنع : أدى انتشار استعمال المحرك البخاري إلى التركز التقني والمالي والجغرافي للأنشطة الصناعية، وإن لم تضمحل طرق الانتاج التقليدي في دكاكين الحرفيين أو العمل المنزلي في الأرياف فقد برز في القرن التاسع عشر المصنع الحديث كإطار جديد للإنتاج الصناعي الذي يخضع لقواعد تقسيم العمل وتوحيد نمط الإنتاج لتحسين الإنتاج والإنتاجية.
– الشركات خفية الاسم والبنوك : أصبح إنشاء المشاريع الضخمة يتطلب تمويلات هائلة يعسر توفيرها من قبل الأفراد أو العائلات لذلك تأسست الشركات خفية الاسم في القطاع الصناعي والمالي وفتحت أمام الرأسماليين آفاقا جديدة للاستثمار.
– تكتل المؤسسات : أمام اشتداد المنافسة بين المؤسسات الصناعية مما يؤدي إلى انخفاض أرباحها أو حتى انهيار بعضها أخذت المؤسسات تتكتل وتتحد خاصة منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر مما أدى إلى ظهور شركات عملاقة احتكارية أصبحت تتحكم في الأسواق وتحدد الأسعار كما تشاء. 

2- أوروبا الغربية تحقق الإقلاع الاقتصادي:

حققت بلدان أوروبا الغربية بفضل انتشار استعمال الآلة وثورة وسائل النقل والمواصلات نهضة اقتصادية شاملة:

أ- نمو الفلاحة : 

بدأت الفلاحة تتخلص بصورة تدريجية من قيودها التقليدية كالدورة الزراعية الثنائية وانتشار الملكية الجماعية للأرضي الفلاحية، وذلك بظهور حركة التسييج وتقسيم الأراضي واعتماد الدورة الزراعية الثلاثية أو الرباعية منذ أواخر القرن السابع عشر وتدعمت هذه التحسينات في القرن التاسع عشر ابان الثورة الصناعية والثورة العلمية فتوفرت طرق ووسائل إنتاج جديدة أكثر نجاعة. كما استفادت الفلاحة من ثورة وسائل النقل والمواصلات التي قربت المنتج من المستهلك وسمحت بظهور فلاحة متخصصة وذات صبغة تجارية اتسع نطاق هذه التطورات فيالنصف الثاني من القرن التاسع عشر فتحسّن المردود وارتفع الإنتاج وتنوع واختفت أزمات الانتاج الغذائي وارتفعت مساهمة الفلاحة في المبادلات التجارية وساهمت نهضة الفلاحة في تنمية القطاع الصناعي.

تطور مردود إنتاج القمح ق 19

ب- تطور الصناعة : 

من أهم إنجازات الثورة الصناعية الأولى ازدهار قطاعي صناعة النسيج والتعدين :
* تطور الصناعات النسيجية : تعتبر الصناعات النسيجية أولى الصناعات التي شهدت نموا كبيرا نتيجة الاختراعات التقنية التي أدت إلى تضخم الانتاج مع الضغط على التكلفة وارتفاع الاستهلاك اثر التزايد الديمغرافي السريع وتحسين القدرة الشرائية وانفتاح الأسواق الخارجية.
* صناعة التعدين : أصبحت منذ النصف الثاني من القرن XIX الأكثر حيوية بسبب الطلب المتزايد على المعادن لصنع مختلف أنواع الآلات ومد السكك الحديدية خاصة اثر الاختراعات التقنية التي سمحت بإنتاج معادن أكثر جودة وبأقل تكلفة.
* الصناعات الجديدة : لئن كانت الأسبقية لإنڨلترا في تطوير الجيل الأول من الصناعات فقد لعبت ألمانيا منذ 1870 دورا رئيسيا في تطوير الصناعات الكيميائية لتقطير الفحم وتكرير النفط وصنع مواد التلوين …. والصناعات الميكانيكية بفضل اختراع المحرك الانفجاري (1886) ومحرك الديزال سنة 1893 واضعة بوادر الثورة الصناعية الثانية. 

ج- ازدهار التجارة :

سمحت ثورة وسائل النقل والمواصلات ترويج الإنتاج الفلاحي والصناعي الضخم والمتنوع بأكثر سرعة وأقل
تكلفة مما أدى إلى ازدهار التجارة الداخلية والخارجية.
* التجارة الداخلية : أدى التزايد الديمغرافي وانتشار وسائل النقل الحديدي الذي أدمج مختلف المناطق في الدورة الاقتصادية إلى ارتفاع حجم الاستهلاك فنشطت التجارة وتعددت محلات البيع وظهرت المغازات الكبرى التي تعتمد
طرق ترويج جديدة تمثلت بالخصوص في الاشهار .
* التجارة الخارجية : أفضى تضخم الإنتاج وتنوعه من ناحية وتطور وسائل النقل الحديدي والبحري من ناحية ثانية إلى تزايد حجم المبادلات التجارية على المستوى العالمي مما ساهم في تدعيم تكوين سوق عالمية موحدة في اطار نظام الاقتصاد العالم كانت البلدان الصناعية المستفيد الأكبر من هذه المبادلات والمحرك الأساسي لها مما أحدث تسابقا بين هذه الدول (دول المركز) للحصول على مناطق نفوذ وامتيازات في بقية أجزاء العالم (الأطراف) لم تخل هذه النهضة الاقتصادية الشاملة في اطار النظام الرأسمالي الصناعي من تعثرات من حين لاخر اذ تخللتها بصورة دورية [16] أزمات اقتصادية بسبب تزايد الإنتاج بنسق أسرع من نمو الاستهلاك فيختل التوازن بين العرض والطلب وتنهار الأسعار وتغلق المؤسسات الصغرى أبوابها وتنتشر البطالة فيعم الكساد وتنتشر الأزمة بمختلف البلدان المصنعة مثل أزمة 1873 التي انطلقت من ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية لتشمل بقية البلدان الصناعية نظرا للعلاقات المالية التي تربط هذه الدول بعضها ببعض.

تطور قيمة التجارة العالمية بحساب المليون جنية استرليني

II – التحولات الاجتماعية بأوروبا الغربية في القرن XIX :

أحدثت التحولات الاقتصادية تغييرات عميقة في تركيبة المجتمع الأوروبي لعل من أبرز مظاهرها : الانفجار
الديمغرافي، تراجع نفوذ النبلاء وبروز طبقتين اجتماعيتين جديدتين :

1- الانفجار الديمغرافي ونمو المدن :

تميز الوضع الديمغرافي الأوروبي منذ القرن الثامن عشر وخلال القرن التاسع عشر بظاهرتين بارزتين :
– النمو السريع للسكان : ويعود خاصة إلى استقرار نسبة الولادات المرتفعة والانخفاض الكبير لنسبة الوفيات.
أدى هذا التزايد الديمغرافي السريع إلى توفير اليد العاملة وارتفاع حجما الاستهلاك.
– نمو المدن : يعود ارتفاع سكان المدن إلى النمو الطبيعي ثم إلى أفواج الريفيين النازحين على اثر تطورات الفلاحة
من ناحية وحاجة المصانع المتزايدة لليد العاملة من ناحية ثانية.

2- تراجع نفوذ النبلاء :

لئن جردت الثورات السياسية طبقة النبلاء من امتيازاتهم الاقطاعية فقد اثبتت الثورة الصناعية أن الأرض ليست المصدر الوحيد للثروة، لذلك قل شأن النبلاء إلا أن العديد منهم تأقلموا مع الأوضاع الجديدة واستثمروا أموالهم في الصناعة والبنوك والمناجم وقطاع النقل كما حافظوا على مكانة مرموقة في المجال السياسي والاداري. 

3- طبقتان اجتماعیتان جدیدتان :

يتميز المجتمع الرأسمالي الصناعي ببروز طبقتين جديدتين : البورجوازية وطبقة العمال.

– البورجوازية : مكنت الثورة الصناعية كبار التجار وأصحاب البنوك وعائلات جديدة مثل عائلة كروب الألمانية وشنايدر الفرنسية وروتشيلد الانقليزية … من تنمية ثرواتهم بصورة هائلة بفضل استثمار أموالهم في انشاء المؤسسات الصناعية والمشاريع الرأسمالية، أصبحت البورجوازية لا تهيمن فقط على المجال الاقتصادي بل حتى على المجال السياسي والثقافي. تتمتع بمستوى عيش راق وتسكن الأحياء الفاخرة بالمدن.
– طبقة العمال البروليتاريا : ظهرت بظهور المصانع وتكاثر عددها بتكاثرها وبالانتشار السريع لاستعمال الآلات. تكونت من الحرفيين والريفيين النازحين نحو المدن الصناعية، يتقاضون أجورا زهيدة ويقومون بأعمال شاقة ويعيشون في ظروف قاسية ويسكنون الأحياء الفقيرة (الأحياء القصديرية)، كانوا مهددين بالطرد والبطالة خاصة زمن الأزمات الاقتصادية وكانت الدولة تواجه غضبهم ومظاهراتهم بالتعسف والقتل.

الخاتمة

منحت الثورة الصناعية البلدان الصناعية بأوروبا الغربية (دول المركز) امكانيات ضخمة من الأموال والخدمات سمحت بتدعيم هيمنتهم على بقية أجزاء العالم (الأطراف) كما أدت إلى انتصار الرأسمالية الصناعية وتحقيق نهضة اقتصادية شاملة بأوروبا الغربية جنت جل ثمارها الطبقة البورجوازية على حساب البروليتاريا التي عولت على نضالها المهني والسياسي للدفاع عن مصالحها. 

زر الذهاب إلى الأعلى
MENU

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم مانع الإعلانات على متصفحك. الرجاء غلقه لتواصل التنقل داخل الموقع.