الأولى ثانوي

تلخيص محور الشعر الوطني للسنة الأولى ثانوي: أبو القاسم الشابي وأحمد شوقي مثالا

تلخيص محور الشعر الوطني للسنة الأولى ثانوي: أبو القاسم الشابي وأحمد شوقي مثالا

تلخيص محور الشعر العربي المعاصر الشعر الوطني: الشابي وأحمد شوقي مثالا: دراسة في القضايا والأساليب التي أبرزها كل شاعر منهما. التلخيص يشمل أمثلة متعددة.


مداخل عـامـة محور الشعر الوطني


مـدخـل 1 : لقد أفضت جملة التحولات التي عرفها المجتمع العربي في فترة ما بين الحربين إلى ظهور جملة من الشعراء الشبان الذين اتخذوا من الشعر أداة لمحاربة كل مظاهر التخلف والتردي التي حالت دون تقدم الأمة العربية ولحاقها بركب الأمم المتقدمة فأدى ذلك بدوره إلى بروز نمط شعري جديد اصطلح الدارسون على تسميته بالشعر الوطني.
ويعد كل من شوقي والشابي من أبرز أعلام هذا التيار ذلك أنهما اتخذا من الشعر أداة للتعبير عن قضايا الوطن ومشاغله، كما اعتمدوه سلاحا لتوعية الشعب وتخليصه مما تردي إليه على مدى قرون عديدة من التدهور والانحطاط.
مـدخـل 2 : عرفت البلاد العربية منذ مطلع القرن العشرين حركة شعرية جديدة واكبت جملة التحولات الاجتماعية والسياسية المتسارعة بتأثير الحركة الاستعمارية وجاءت مصورة لهذا الواقع، كاشفة عن مظاهر التردي فيه، ساعية إلى نشر الوعي في صفوف شعب أثقله الجهل وكتله الإذعان والخضوع والرضا بالواقع. ويعد أبو القاسم الشابي وأحمد شوقي من أبرز رموز هذه الحركة إذ اتخذا من الشعر أداة لتعرية الواقع ووسيلة لاستنهاض الهمم وشحذ العزائم مما
أدى إلى تغير في وظيفة الشعر وأساليبه.


أفكار عامة محور الشعر الوطني


← من أبرز المعاني التي عجت بها قصائدهما الدعوة إلى الوعي والعمل على تغيير الواقع بـ :

الحث على رفض الاستسلام والخضوع والإيمان بالقدرة على تغيير الواقع واستبداله بواقع الأفضل.

نبذ الخلافات والصراعات التي لا تخدم مصالح الشعوب العربية وإنما تخدم مصالح أعدائها.

-تعزيز الروح الوطنية لدى الفرد وتحسيسه بقيمة الوطن بالنسبة إلى الإنسان ولذلك غالبا ما تقترن
صورته بصورة الأم، والحياة فيه بالحياة في الجنة، وما هذا الحرص على تعزيز الروح الوطنية إلا الاستعمار وبطشه وإشعاره بالقدرة على تحدي كل الصعاب.
-مقدمة لزرع الروح النضالية التي سنراها واضحة بالخصوص في قصائد أبي القاسم الشابي.

محاربة العقليات البائدة والروح السلبية التي استحكمت في نفوس الشعب أمام جبروت الوجود والعدم، فلا جدوي لحياة يعيشها الإنسان مكبلا مسلوب الإرادة.

الإشادة بقيم الحرية والعدالة واعتبارها شرطا من شروط الحياة الكريمة بغيابها يستوي الوجود والعدم فلا وجود لحياة بلا حرية.

-حفز الشعب على التضحية والفضال في سبيل استرداد الأوطان والذود عن حماها من باب الإيمان بأن ما افتك عنوة لا يسترد إلا بقوة السلاح وقوة القلم.

– إسقاط أقنعة المستعمر والكشف عن طبيعته وعن حقيقة نواياه.
يعتبر هذا الموقف علامة دالة على بداية انتشار الوعي في البلاد العربية، وهو وعي سيكون وراء انطلاق الحركات التحررية في مختلف أرجاء البلاد العربية.

أفضت طبيعة الخطاب تلك إلى تواتر الأساليب الإنشائية في قصيدة الشابي وشوقي وهي أساليب تعكس النزعة التوعوية التربوية وتسم الخطاب بسمة وعظية بارزة إذ سعى شعراء هذه النزعة إلى حفر الهمم وشحذ العزائم لخلق إنسان جديد يصنع مصيره بنفسه ويتحدى كل العراقيل التي تحول دونه ودون إدراك مطامحه .
لقد مثل الشعر الوطني شكلا ومضمونا منعرجا حاسما في تاريخ الشعر العربي ونزع إلى تجاوز التقليد وإنتاج نص جديد ينبع من الواقع ويعبر عن شواغل المجموعة متخلصا بذلك من الغنائية التي طبعت شعر عصور التدهور والانحطاط إلا أنه ظل ذلك متأثرا بهذا الموروث ويتجلى هذا التأثر في مستويات عديدة :

لم تخل قصائد شوقي من الوقفة الطللية جريا على سنة القدامي، ولم تخل قصائد الشابي من النزعة العاطفية الحزينة التي عرفتها القصيدة الغزلية عند القدامي.

بدت المعاني الوطنية مستلهمة أحيانا من قصائد القدامي وخاصة من شعر «الحنين إلى الأوطان ورثاء البلدان» الذي ظهر في مرحلة تراجع الستيادة العربية الإسلامية واستحواذ العدو الخارجي على كثير من مناطق النفوذ فيها، ومن أبرز أعلام هذا الشعر تذكر ابن حمديس وأبا البقاء الرندي و ابن رشيق القيرواني…
-التداخل بين سجلات القول كالتداخل بين الغزل والمدح والمعاني الوطنية وهذا دليل على
أن هذا الغرض الجديد ما زال في طور التأسيس والتكوين.
مقارنة سريعة بين قصيدة شوقي وقصيدة الشابي تجعلنا نلمس الفرق الواضح بينهما محتوى
ذلك أساسا إلى اختلاف المرحلتين التاريخيتين اللتين عاشا فيهما، فقد ساعدت
وأسلوبا ويرجع :
ظروف العصر والتحولات الخطيرة والسريعة التي عرفتها البلاد العربية في الثلث الأول من
القرن العشرين على تبلور النزعة الوطنية في شعر الشابي وعلى اتضاح معالمها أما شوقي فقد
ظل أسير الموروث لم يتخلص من سطوته إلا جزئيا.
ے عموما تظل قصائد الشابي وشوقي علامة مضيئة في تاريخ الشعر العربي ومنعرجا هاما باتجاه اهتمام الشعراء بقضايا الواقع ومشاغل المجموعة وهو توجه سيتبلور لاحقا في قصائد العديد من الشعراء المعاصرين من أمثال محمود درويش وفدوى طوقان وغيرهما.

أبـو القـاسـم الشـابي


المعاني الوطنية في شعر الشابي

يقوم الشعر الوطني عند الشابي على دعوة إلى رفض الاستبداد والإيمان بالقدرة على تغيير الواقع وبناء الغد الأفضل
ولقد حرص في كل قصائده الوطنية على محاربة روح الإذعان والاستكانة والاستسلام بالتأكيد
على قدرة الشعوب على تغيير الواقع إن هي آمنت بقدراتها

لقد أيقن الشابي أن الأفكار البالية التي عششت في العقول هي التي كانت وراء خضوع الشعب لهيمنة المستعمر على مدى عقود طويلة، وهي التي كانت حائلا دون وعيه، كما أيقن أن الاستفاقة تلخيص محور الشعر الوطني رهيئة التخلص من هذه العقليات، فعبر عن ذلك في صورة رمزية شبه فيها الأفكار البالية بالجذوع البالية.
فسعى إلى تخليص الشعب من هذه الذهنية من خلال نشر الوعي والكشف عن حقيقة المستعمر الذي لم يأت البلاد مخلصا ناشرا للثقافة والحضارة وإنما مضطهدا مستغلاً، عنها الأغلبية الساحقة يحكم سيطرة الأمنية والجهل.

أكد الشابي على أن استرداد الوطن والذود عن حماه رهين التضحية والنضال لأن ما افتك عنوة لا يسترجع إلا بالقوة، وأن الحياة دون حرية وكرامة أشبه بالعدم. لقد آمن أن الحرية جزء لا يتجزأ من إنسانية الإنسان، إن هو فرط فيها تدقى إلى مرتبة أقرب إلى مرتبة الحيوانية، أو لعلها دونها بكثير.


تقوم جل قصائد الشابي على ثنائية الموجود والمنشود أو ثنائية الكائن وما يجب أن يكون، وقيامها على هـذه الثـــانيـة يسمها بطابع استشرافي (رؤية مستقبلية). فهي لا تكتفي برصد ملامح الواقع ونقده وإبراز مواطن الخلل فيه وإنما تتجاوزه إلى التبشير بواقع أفضل يمكن إدراكه عن طريق السعي إليه، أي بالتضحية والتضال.

لقد تحولت القصيدة مع الشابي إلى نوع من النبوة متجاوزة الواقع إلى المأمول والموجود إلى المنشود. فعكست بذلك وعيا جديدا بوظيفة الشعر وبرسالة الشاعر، فلم يعد الشعر عنده يخاطب الوجدان بقدر ما يخاطب العقل، ويستنهض الهمم ويشحذ العزائم، ويعود هذا التحول إلى تأثر شعراء هذا الجيل، ومن ضمنهم الشابي، بجملة التحولات السياسية والاجتماعية التي عرفتها البلاد العربية في هذه المرحلة التاريخية.
استطاع الشابي، من منطلق المثقف الواعي برسالته إزاء مجتمعه، أن يقف على مظاهر التردي فيه فال على نفسه أن يحاربها داعيا إلى «الحياة» وإلى «النور»، فكانت ثورته ثورتين :
ثورة على الاستكانة والرضا بالواقع، وثورة على الاستعمار الغاشم الذي تسلط على رقاب الناس وراح ينهب خيرات البلاد متقنعا بقناع التحديث والتنوير.

تؤسس قصيدة الشابي لعالم بديل ينعم فيه الإنسان بوجوده في ظل الكرامة والعزة، لكنه عالم لا يدرك، وحلم لا يتحقق، إلا إذا تخلص الإنسان من قيوده، ورسم قدره بيده وبإرادته.

بني الشابي أغلب قصائده على ثنائية الظلمة والنور فقد تكررت الأولى 267 مرة، وتكررت الثانية 315 مرة لتعبر أدق تعبير عن التقابل بين حياة الذل والهوان وحياة العزة والكرامة، ولعل
قيمة هذه الثنائية في أنها طبعت قصيدة الشابي أحيانا بطابع حماسي وإيقاع شديد عكس سخطه على الواقع وإيمانه بضرورة التغيير والتضحية في سبيل إدراك المطامح. تلخيص محور الشعر الوطني

في قصيدة الشابي كذلك لوحتان متقابلتان: لوحة جذابة وأخرى منقرة، واحدة تشع بمعاني النور والضياء، وأخرى ترشح بمعاني الظلمة والقتامة. وفي قصيدته كذلك كائنان: كائن مستكين راض بما أريد له، وكائن متمرد على القدر رسم ملامحه في مطلع قصيدة «نشيد الجبار» .


مثلت الطبيعة في قصيدة الشابي معينا لاستلهام معاني القوة والنضال، وأداة لترسيخ الوعي، ورسم معالم العالم المنشود :

إن الطبيعة عنده موطن القيم المنشودة وعالم المثل العليا، وهي صوت الكون الذي لا يسكت. ويكفي الإنسان أن يرهف السمع، وينصت إليها ليقف على حكمة الوجود، وحكمته أن الإنسان خلق طليقا بلا قيد.


أما مقيده فظالم متعد على حقوقه الإنسانية، كما أن الرضا بهذه القيود تنازل عن الإنسانية، ولذلك فمن واجب الإنسان أن يتمرد عليها حتى إذا كان القدر نفسه، لأن إرادة الشعوب فوق كل إرادة.

لقد أسس الشابي لعلاقة جديدة بين الإنسان والقدر الذي ظل في التصور السائد قوة قاهرة يخضع لها البشر، أما معه فقد انقلبت المعادلة وصار القدر خاضعا لسلطة الإنسان المريد الذي يصنع مصيره وينحت كيانه بساعديه، وثورة الشابي على القدر لا تستند إلى مرتكزات عقادية كما ظن الكثيرون من معاصريه، ووصلوا إلى حد تكفيره، إنما هي ثورة على المفاهيم البالية والخرافات المعششة في العقول والحائلة دون وعي أبناء وطنه وتمردهم على واقعهم. ويبدو الشابي في ذلك متأثرا بالتيارات الأدبية والفلسفية التي انتشرت آنذاك مثل الرومنطيقية والوجودية.

يقوم الخطاب في قصيدة الشابي على ثنائية الترغيب والترهيب موظفا ذلك أساليب اتخـذت مـن واقـع المجتمع التونسي منطلقا لها فقد تجاوزت حدودها الإقليمية الضيقة لتعانق هموم المستضعفين في العالم بأسره. لم تكن قصيدة الشابي لتنشد إلى طوق هي التي دعت إلى كسر كل طوق، وثاقت إلى عالم بديل ينعم فيه الإنسان بوجوده. ولهذه الأسباب رأيناه لا يخاطب شعبا بعينه، وإنما يتوجه إلى كل الشعوب الرازحة تحت تير الاستعمار، ولا يخاطب طاغية محددا وإنما يتوجه إلى كل الطغاة، فنادى الأول بـ«يا ابن أمي»، ونادى الثاني بـ«طغاة العالم». فأدى هذا الإطلاق
والتعميم إلى اتستام قصيدته بصبغة إنسانية كونية كانت وراء شهرته وترجمة قصائده الوطنية إلى أغلب لغات العالم.

اضطلع الشابي بدور الكشف عن حقيقة المستعمر فقابل بين الظاهر والباطن متخذا الكلمة سلاحا الإسقاط أقنعة كل الطغاة، متوعدا إياهم بنهاية مأساوية يرتد فيها الكيد إلى نحرهم لأن الاستعمار في نظره محكوم بالزوال، وهو يحمل بذور نهايته في ظلمه وجبروته، وفي دماء الأبرياء.

أمن الشابي أن الإخلاص للقضية الوطنية والوقوف في وجه الطغاة يمر عـبر الشعور بحب الوطن لأن من يحب وطنه لا يرضى باستباحته، ولذلك جعل من علاقته بتونس مثالا يحتذى. فرسم لنفسه صورة العاشق الولهان الذي يعاني في سبيل من يحب، وجاء توظيف المعجم الغزلي في سياق خطاب الشابي الموجه لوجدان المتلقي، وإقناعه بأن إباء الرجولة والشرف يحتمان عليه الوقوف في وجه كل من يعتدي على من يحب .

تجاوزت قصيدة الشابي المعاني الشعرية المألوفة والمتوارثة وأستست معجما جديدا عكس التطور الحاصل في الشعر التونسي في مطلع القرن العشرين، فقد نزع نحو توظيف اللغة

توظيفا جديدا أكسب اللفظ دلالات عديدة، ونحا به نحو نوع من الرمزية كانت إلى حد ما سببا الفهم والتواصل.
في القطيعة بينه وبين المتلقي، فنزوعه نحو الإيماء والتلميح بدل الإفصاح والتصريح عرقل يظل الشابي صوت الشعوب المضطهدة، وصورة للمثقف الذي سخر ذاته وشعره لخدمة قضايا وطنه، متحديا الأفكار البالية والقوى الغاشمة رافضا كل مظاهر الاستسلام وإن كلفه ذلك اضطهاد أناس أحبهم وضحي من أجلهم.


الأساليب في قصيدة الشابي

تميزت قصيدة الشابي بتنوع أساليبها وخدمتها للمضامين الوطنية سواء وجـه الخطاب للشعوب المضطهدة أو للمستعمر.

يقوم الخطاب في قصيدته على ثنائية الأمر والنهي، وهي ثنائية تعكس مـوقفا من الموجود والمنشود، ودعوة ضمنية إلى استبدال الواقع المتردي بواقع بديل يتخلص فيه الإنسان من الذل و الاستكانة ويعيش حياة كريمة ينعم فيها بحريته.

هذه الثنائية تخفي ثنائية أخرى بنيت عليها أغلب قصائد الشابي الوطنية وهي ثنائية الظلمة والنور، وتندرج في إطار التنفير من واقع معطى يرزح فيه الشعب تحت نير الاستعمار ويعيش فيه حياة الذل والمهانة، والترغيب في عالم بديل، عالم الثور والكرامة والسيادة ونحت المصير.
وقد قابل بين الصورتين غالبا باستعمال الاستفهام الإنكاري والأمر.

تتداخل في قصيدة الشابي معاجم عديدة منها الغزلي، ويوظفه للتأكيد على قيمة الوطن أو قيمة الحياة والحرية، والمعجم الديني الذي يرقى بالمعنى إلى مستوى القداسة، وعديد المعاجم الأخرى مثل معجم الستعادة والضياء والنور التي تتضافر في مجملها لترسم حدا فاصلا بين عالمين . تلخيص محور الشعر الوطني

تنزع قصائد الشابي أحيانا نزعة حكمية تسم الخطاب بنوع من الإطلاقية تضفي عليه بعدا إنسانيا كونيا. ومن خلاله يبدو أن الشابي لا يتوجه إلى مستعمر بعينه أو مستعمر محدد وإنما يتوجه إلى كل المستضعفين، وإلى كل الطغاة،

تجاوزت قصيدة الشابي حدودها الإقليمية الضيقة لتكتسب بعـدا إنسانيا شاملا نلمسه في الصورة التي رسمها للشعوب ولإرادتها، وللمستعمرين وحقيقتهم.

أحـمـد شوقي


المعاني الوطنية في شعر شوقي

تميزت المرحلة التي عاش فيها أحمد شوقي بجملة من الخصائص أثرت تأثيرا بالغا في نظمه عامة، وفي شعره الوطني خاصة، فقد تزامنت تجربته الشعرية مع بداية عصر النهضة أي مع بداية وعي العرب بالفجوة الحضارية الفاصلة بينهم وبين الغرب إثر حملة «نابوليون بونابرت» على مصر.

كان الشعر في عصر شوقي يحلق في فلك الموروث من المعاني بتأثير قرون من التدهور والانحطاط، فقد ظل شعراء هذه المرحلة يرتدون أصوات سابقيهم شكلا ومضمونا رغم التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي عرفتها المنطقة العربية، ولئن خرج شوقي عن هذا التوجه بما نظمه من قصائد وطنية تفاعلت مع واقع البلاد المصرية خاصة، والبلاد العربية عامة، فإنها لم تتخلص كليا من سلطان الموروث، ونلمس ذلك في مستوى المبنى، كما نلمسه في
مستوى المعنى. فغالبا ما يستهل شوقي قصائده بالوقفة الطللية جريا على سنة القدامي ومن ذلك.


وتعكس هذه المطالع مدى تمسك الشاعر بالسنة التقليدية في عصر لم يتخلص فيه الشعر من سلطان الموروث.

لا تقف نزعة التقليد عند حدود الوقفة الطللية وإنما تتعداها إلى المضامين الشعرية، إذ تبدو قصيدة شوقي الوطنية امتدادا لما سمي بشعر الحنين إلى الأوطان ورثاء البلدان الذي انتشر في البلاد العربية الإسلامية فيما بين القرنين الخامس والسادس للهجرة نتيجة تفكك الإمبراطورية العربية الإسلامية وانقسامها إلى دويلات متناحرة أنهكتها الصراعات والأطماع الخارجية. تلخيص محور الشعر الوطني
ومثلما جاء هذا الشاعر ليبكي أوضاع تلك الدويلات ويرثي حالها، وهي تنهار بتأثير الهجمات الخارجية، بكى شوقي وطنه مصر لما استفحل فيه من صراعات وفتن، وما حكمه من نزاعات شتت الجهود وحولت أهل الوطن الواحد إلى طوائف وفرق متناحرة متصارعة.

حرص شوقي على تعزيز الروح الوطنية لدى المواطن المصري، وعلى تحسيسه بقيمة الوطن بالنسبة إلى الإنسان ولذلك اقترنت صورته عنده بصورة الجنة، بل إنه يصل حد الارتقاء به إلى مرتبة القداسة متخطيا عتبة المحذور.

سعي شوقي إلى تعزيز الروح الوطنية ليس سوى مقدمة لزرع الروح الفضالية من أجل حرية الوطن ومناعته، فقد أيقن أن التناحر من أجل المصالح من شأنه أن يبث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، كما من شأنه أن يشتت الجهود ويضعف القدرة على مواجهة العدو الخارجي، أي الاستعمار، الذي يحرص على تغذية المتراعات والخلافات. وقد عبر عن ذلك في قصيدة ضياع الوطن» .

لقد وعى شوقي أن الذود عن الوطن رهين توحد الجهود وتضافرها في خدمة القضية الوطنية، كما أمن أن استرداد الأوطان لا يكون إلا بالتضحية في سبيلها لأن ما اقتلك عنوة لا يسترجع إلا بالقوة.

ويعتبر هذا الموقف علامة دالة على بداية انتشار الوعي في صفوف النخبة المثقفة بالبلاد العربية وهو وعي سيكون بدوره وراء انطلاق حركات التحرر بداية من سنة 1919 في مصر ذاتها.

يزخر شعر شوقي بالمعاني الوطنية المتنوعة ومن أبرزها موقفه مـن الاستعمار الانجليزي، وقد تجلى هذا المعنى في قصيدة مطولة شنع فيها بمثله في مصر، كما نقد من خلالها سلوك المصريين المتواطنين مع الاحتلال، الستائرين على نهجه، ويذلك كان تمسح هذه الفئة على عتبات الانجليز طمعا في المناصب قادحا لوطنية شوقي، زادها تفيه تمسكا بها. يقول مخاطبا أذناب المحتل وعملاءه.


المظهر الثاني لوطنية شوقي نلمسه في تغنيه بتراث مصر العظيم، وفي اعتزازه به. وقد حرص على نقل هذا الإحساس إلى الجيل الجديد حتى يستلهم منه مسيرته المستقبلية. كما نطقت قصائده باعتزازه بالدين الإسلامي باعتباره رمزا للهوية، ودرعا واقيا من تغريب الاحتلال وضربه للثقافة الوطنية.

كان حب شوقي للوطن متجذرا في كيانه، وزاده نفيه من البلاد حبا له وتستكا به واستعدادا للتضحية في سبيله.

لم يكف شوقي عن استنهاض الهمم والحث على النضال لأن الثورة وحدها هي الكفيلة بأن تعصف بالطغاة والظالمين. وقد راهن على الشباب، وراح يبث فيهم لهيب الثورة، ويحثهم على المقاومة والنضال : تلخيص محور الشعر الوطني

يتجاوز شوقي شباب مصر ليخاطب كل الشباب المتقد حيوية فيصوغ له المثل المنشودة حكما تتجاوز الزمان والمكان، وترسم الغد المضيء بالجهد والجهاد.

قامت قصيدة شوقي الوطنية على الاعتزاز بمفاخر مصر وحضارتها وأمجادها والتعبير عن الولاء لها والتفاني في حبها والنضال من أجلها والإشادة بجهاد أبنائها والدعوة إلى وحدة الصف ونبذ الخلافات لمواجهة العدو المشترك وسبيل ذلك كله علم ينير العقول ويبصر القلوب.


الأساليب في شعر شوقي

أفضت طبيعة القضايا المطروحة إلى تواتر الأساليب الإنشائية مثل الاستفهام والنداء والأمر، وهي أساليب تعكس النزعة التربوية التوعوية، وتسم الخطاب أحيانا بسمة وعظية. فقد سعى شوقي إلى حفز الهمم، وشحذ العزائم لخلق إنسان جديد يصنع مصيره بيده، ويتحدى كل العراقيل التي تحول دون بناء الغد الأفضل.
واشترط من هذا الإنسان أن يتحلى بجملة من الخصال.

تتداخل في قصيدة شوقي معاجم لغوية مختلفة وتتقاطع فيها أغراض شعرية متنوعة مثل الفخر والغزل والرثاء وغيرها، ويعود هذا التداخل بالأساس إلى حداثة الغرض، أي إلى كونه غرضا في طور التأسيس، وإلى انتماء شوقي للمدرسة الإحيائية. وهكذا جاءت قصيدته مزيجا من القديم والجديد، فهو قد استعار الشكل القديم ليعبر من خلاله عن قضايا راهنة.
من مظاهر القديم في قصيدته : الوقفة الطللية.
أن هذه الظاهرة لم تطع على كل قصائده إذ ينطلق أحيانا من الغرض مباشرة : تلخيص محور الشعر الوطني


المظهر الثاني لهذا التأثر بالموروث الشعري ما ساد قصائده من بكانية تذكر بقصائد شعراء الحنين إلى الأوطان ورثاء البلدان مثل ابن حمديس وابن رشيق القيرواني وأبي البقاء الرندي…

تقوم الصورة عادة على التشبيه، وقد وظفه لعدة أغراض أهتها التأكيد على قيمة الوطن، ومدى حبه له سعيا إلى نشر هذه الثقافة بين معاصريه :

كما يوظفه أحيانا لتصوير واقع مصر المتردي وما ساد العلاقات من نزاعات ودسائس، فشبه هذا الوضع المستفحل بالسرطان.

مال شوقي إلى استعمال البحور الطويلة والمقاطع المتوازنة قصد خلق إيقاع قوي جريا على سنة القدامي في الاعتناء بالمطالع استمالة لنفس السامع.

تداخلت في قصيدته المعاجم اللغوية وجسمت التجاور بين القديم والجديد خاصة الناحية الأعراضية.

نزعت قصيدة شوقي نزعة حكمية تجاوزت بها محليتها إلى نوع من الشمولية لكنها ظلت دليلا على تمسكه بالموروث وجريه على سنة القدامي إذ تذكر يشعر الحماسة عند المنتجى وأبي تمام وغيرهما.

امتزجت المعاني الوطنية عنده بالمضامين الأخلاقية مما وسم قصيدته بصبغة وعظية تذكر كذلك بالنظم القديم.

للحكمة في قصيدة شوقي وظائف عديدة لا تختلف عن وظائفها عند القدامي المطلع تنبه إلى المثل الأعلى الذي سيوجه إليه القاري، وفي الوسط تكون بمثابة فاصلة بين معنيين، وتمثل حكمة القفل خلاصة لمجمل المعاني الواردة في القصيدة، وعموما فإن للحكمة في قصيدته وظيفة إقناعية. تلخيص محور الشعر الوطني

ملاحظة : تنت الاستعانة بكتاب «الشعر الوطني : أحمد شوقي أبو القاسم الشابي» لهند بن صالح وإبراهيم بن صالح في استخلاص أهم المعاني الوطنية في شعر أحمد شوقي.

العودة لصفحة محور الشعر الوطني

زر الذهاب إلى الأعلى
MENU

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم مانع الإعلانات على متصفحك. الرجاء غلقه لتواصل التنقل داخل الموقع.